تكاد قمة الـ20 التي انعقدت في اليابان تكون القمة التاريخية من حيث الملفات التي عالجتها، والتسويات التي حصلت فيها، حتى يمكن تسميتها بـ«قمة الـ20 تسوية»!
لقد شهدت هذه القمة مجموعة من التفاهمات الجماعية والثنائية التي ستبدأ نتائجها بالظهور تباعاً، وإن كانت عناوين بعضها قد ظهرت فعلاً، فما أبرز هذه التسويات؟
إلى جانب ذلك جاء اجتماع مجموعة الاتحاد الأوروبي في فيينا لبحث سبل تجاوز العقوبات الأميركية على إيران مع الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني، وكان لافتاً أن يعلن الاتحاد الأوروبي أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا اتخذوا قراراً بتفعيل آلية تجارية وخاصة مع إيران بهدف تفادي العقوبات الاقتصادية الأميركية، هذا الإعلان تزامن مع انعقاد قمة الـ20، ما يعني أنه جاء ترجمة لتفاهم مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
• لوحظ أن القمة لم تتطرّق بشكل مباشر وعلني للتصعيد الأميركي الإيراني، ما أوحى بوجود مفاوضات خلف الكواليس وبأن هذا الملف ذاهب نحو تخفيف التوتّر والبحث عن تسوية فيه، وفي هذا السياق جاءت زيارة وزير خارجية الإمارات العربية عبدالله بن زايد إلى موسكو ولقاء المسؤولين الروس والبدء بمقاربة إماراتية جديدة لتخفيف التوتر مع إيران وفي الخليج عبر الوسيط الروسي ترجم بقرار إماراتي بسحب جزء كبير من قواتها العاملة في جنوب اليمن وذلك بعد التأكد من أن ترامب لا ينوي الذهاب إلى حرب مع إيران.
• كشف ترامب أنه طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتخفيف الحملة العسكرية على إدلب، مع ما يحمل هذا الطلب من تأويل، وخصوصاً أن ترامب لم يطالب بوقف العمليات العسكرية وإنما بتخفيف الحملة العسكرية، وفي هذا التعبير مدلولات كثيرة تحتاج إلى وقت قبل اكتشاف مضمونها الفعلي.
• اتفاق أميركي صيني على استئناف المفاوضات التجارية، مع جرعة زخم تمثّلت بإعلان ترامب رفع بعض العقوبات عن شركة «هواوي» والسماح ببيع هواتفها في الولايات المتحدة الأميركية.
• إزالة التوتّر بين كندا والصين، وبدء مفاوضات لعودة العلاقات بينهما التي تدهورت قبل أشهر على خلفية قيام كندا باعتقال مدير شركة «هواوي».
• الأزمة التركية الأميركية بشأن صفقة «إس400» بين تركيا وروسيا، صارت شبه منتهية وخصوصاً بعد الإطراء اللافت الذي خصه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان واصفاً إياه بالمطبع والحليف القوي ملقياً باللائمة على الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لعدم موافقة إدارة الأخير على بيع نظام الباتريوت لتركيا، مبرراً بذلك طلب شراء تركيا لصواريخ «إس400» الروسية الصنع ومعللاً الإصرار التركي للحصول على الصفقة، وهذا لم يكن ليحصل لولا وجود نوع من التسوية الضمنية على هذا الملف، قد يصرف في سورية.
• غابت حماسة ترامب بشأن «صفقة القرن» ما أوحى أنه اقتنع بفشلها، وما دفعه إلى القول إن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن يحصل إلا في عهده، وهو ما يؤشّر إلى إصراره على طرح مبادرات تتجاوز «صفقة القرن» التي يبدو أنها سقطت من حساباته.
• اتفاق روسيا مع المملكة العربية السعودية على تمديد اتفاق «أوبك +» من 6 أشهر إلى 9 أشهر.
• تفاهم أوروبي أميركي روسي عربي بشأن ليبيا، وإن كان هذا التفاهم ما زال مبهماً في حيثياته وتوجهاته.
• تجاهلت القمة بشكل لافت الحرب اليمنية، خلافاً للقمة السابقة في 2018، ولم يعرف ما إذا حصلت تفاهمات خلف الستارة بهذا الشأن.
• غابت أزمة السودان عن مناقشات القمة بشكل كامل، ولم يتطرق إليها أحد من المشاركين.
• الدفع باتجاه عودة المفاوضات بين الحكم والمعارضة في فنزويلا.
إضافة إلى تفاهمات بشأن المناخ والحمائية التجارية والمالية، وأيضاً هناك تفاهمات سرية حصلت بشكل ثنائي أو أكثر على هامش القمة.
كل ذلك يجعل من قمة الـ20 في العام 2019 قمة استثنائية، لكن، بالنسبة لنا، ما زال هناك غموض حول العديد من القضايا التي كان يفترض أن تكون على طاولة البحث في هذه القمة التي يبدو أنها تجنّبت أي ملف يحرج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وخصوصاً أن السعودية تسلّمت رئاسة القمة من اليابان وتستضيف القمة المقبلة العام 2020 في الرياض.
ماذا بشأن فلسطين وليبيا والسودان واليمن وسورية؟
الواضح أن القمة تجنّبت تناول هذه الملفات مباشرة، ربما لأن هناك تفاهمات ثنائية بين الدول المؤثرة، ومن ثم لا ضرورة لتوسيع دائرة النقاش حول هذه الملفات. فقط بالنسبة لسورية، كانت لافتة إشارة ترامب، «تخفيف الحملة» لا يعني أنه ضدها، وكأنه أعطى غطاء لمواصلتها، وخصوصاً مع اعتراف ترامب نفسه أن إدلب فيها نحو 30 ألف إرهابي، ذلك يعني أن موقف ترامب يحمل وجهين: إما أنه يريد الضغط على أردوغان من بوابة إدلب وبأنه مستعد لرفع الغطاء عن تدخّله في سورية، وإما أنه اقتنع بأهمية عودة إدلب إلى الدولة السورية وتحريرها من الإرهابيين ومن الجيش التركي.
على الأرجح أن التوجّه الحقيقي سنجد ترجمته خلال أيام قليلة، من خلال مسار المعارك والضغط العسكري في إدلب، مع احتمال كبير بمحاولة تركيا فرض أمر واقع لإفشال أي خطة تؤدي إلى تحرير إدلب، ولهذا فإن احتمالات التصعيد من الجانب التركي عبر الإرهابيين هو أمر وارد بقوة، لأن أردوغان قد يرغب في تعويض خسائره السياسية المتدحرجة، من الأزمة الاقتصادية إلى خسارته المدوية في الانتخابات البلدية في مدينة إسطنبول، عبر تصعيد عسكري في إدلب وربما في أماكن أخرى، علماً أنه لوّح قبل يومين بورقة النازحين السوريين إلى تركيا.
كما أن سقوط «صفقة القرن» سيكون له تداعيات كبرى، ولا بد من رصد التحولات التي ستشهدها المنطقة على وقع هذا السقوط، إلا إذا تم الاكتفاء بتطبيع خليجي علني مع إسرائيل كبديل عن الصفقة على اعتبار هذا التطبيع هو الهدف الإستراتيجي الأساسي.
أما بالنسبة إلى التوتر الأميركي الإيراني، فإن مشروع التسوية يبدو أنه وضع على نار هادئة، ولا بد من حصول انفراجات تمهيدية على إيقاع الاتصالات الخلفية القائمة من دون إغفال احتمال حصول ضغوط موضعية أثناء هذه المفاوضات، لكنها ستبقى في سياق الرسائل ولن تؤدي إلى تصعيد كبير على الأرجح.
قمة الـ20، تنتقل الآن إلى السعودية في العام 2020، فهل تكون تلك القمة هي قمة تتويج الانتقال في السعودية نفسها؟